بداية العهد الجديد كانت بولادة يسوع أم بموته ؟

0

إفتح كتابك المقدّس على صفحة إنجيل متى الإصحاح الأول ثم ارجع صفحة واحدة إلى الخلف ستجد عنواناً وهو “العهد الجديد” ذات الأحرف الكبيرة ونسأل هنا:” هل الإصحاح الأول من إنجيل متى هو البداية الحقيقيّة للعهد الجديد؟

للإجابة وكي نفهم هذا الأمر بشكل أفضل سنغوص بحثاً عن معنى كلمة “وصية” “وعهد”، وهما لنفس المعنى للكلمة اليونانية diathéké.

في عالمنا الحاضر نستخدم عبارة “الوصيّة الأخيرة” لوصف الوثيقة القانونية التي يتركها الشخص لأحبّائه بعد وفاته لأن “الموت” وليس “الولادة” هو المطلوب لتفعيل “الوصيّة” أو “العهد” إذاً العهد الجديد يبدأ بموت المسيح وليس عند ولادته.

“فَعِنْدَمَا يَمُوتُ أَحَدٌ وَيَتْرُكُ وَصِيَّةً، لابُدَّ مِنْ إِثْبَاتِ مَوْتِهِ لِلاسْتِفَادَةِ مِنْ وَصِيَّتِهِ. إِذْ لَا قُوَّةَ لِلْوَصِيَّةِ عَلَى الإِطْلاقِ مَادَامَ صَاحِبُهَا حَيًّا. فَلا تَثْبُتُ الْوَصِيَّةُ إِلّا بِمَوْتِ صَاحِبِهَا”(عبرانيين ١٦:٩-١۷).

حتى العهد القديم لم يدخل حيّز التنفيذ بدون دم. كان على موسى أن يرشّ الدم على دُرج الناموس وعلى الشعب.

“وأخَذَ موسَى الدَّمَ ورَشَّ علَى الشَّعبِ وقالَ: «هوذا دَمُ العَهدِ الّذي قَطَعَهُ الرَّبُّ معكُمْ علَى جميعِ هذِهِ الأقوالِ”(خروج ٨:٢٤).

باختصار، هناك ثلاث حقائق متوازية:

  • لا تدخل الوصيّة الأخيرة حيّز التنفيذ دون موت من صنعها.
  • لم يدخل العهد القديم حيّز التنفيذ من دون موت أيضاً.
  • ولم يدخل العهد الجديد حيّز التنفيذ حتى موت يسوع وليس ولادته، وهو الذي أتى بالعهد الجديد (بالموت وليس بالولادة).

ولد يسوع تحت الشريعة

من خلال موت يسوع، نلنا رجاءً أفضل في العهد الجديد.

“هَكَذَا، يَتَبَيَّنُ أَنَّ نِظَامَ الْكَهَنُوتِ الْقَدِيمَ قَدْ أُلْغِيَ لأَنَّهُ عَاجِزٌ وَغَيْرُ نَافِعٍ.  فَالشَّرِيعَةُ لَمْ تُوصِلِ الَّذِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَ اللهَ بِحَسَبِهَا وَلَوْ إِلَى أَدْنَى دَرَجَاتِ الْكَمَالِ. وَلِذَلِكَ، وَضَعَ اللهُ أَسَاساً جَدِيداً لِلاقْتِرَابِ إِلَيْهِ، مُقَدِّماً لَنَا رَجَاءً أَفْضَلَ” (عبرانيين ١٨:۷-١٩).

وهذا الموت أتى بعهد “أسمى” مؤسّس على “وعود أفضل”.

“فَرَئِيسُ كَهَنَتِنَا، إِذَنْ، قَدْ حَصَلَ عَلَى خِدْمَةٍ أَفْضَلَ مِنْ خِدْمَةِ الْكَهَنُوتِ الأَرْضِيِّ، لِكَوْنِهِ الْوَسِيطَ الَّذِي أَعْلَنَ لَنَا قِيَامَ عَهْدٍ جَدِيدٍ أَفْضَلَ مِنَ الْعَهْدِ السَّابِقِ، وَلِكَوْنِ هَذَا الْعَهْدِ الْجَدِيدِ يَنْطَوِي عَلَى وُعُودٍ أَفْضَلَ” (عبرانيين ٦:٨).

وبهذا الموت كانت بداية للعهد الجديد الذي رسم الخط الفاصل للتاريخ البشري في “الصليب” لا في “المذود”.

وقد ساعدنا هذا الأمر على فهم فكر بولس عندما كتب إلى أهل غلاطية أن يسوع ولد تحت الشريعة.

“ولكن لَمّا جاءَ مِلءُ الزَّمانِ، أرسَلَ اللهُ ابنَهُ مَوْلودًا مِنِ امرأةٍ، مَوْلودًا تحتَ النّاموسِ، ليَفتَديَ الّذينَ تحتَ النّاموسِ، لنَنالَ التَّبَنّيَ” (غلاطية ٤:٤-ە).

وأوضح يسوع هذا الأمر عندما قال لتلاميذه: “هذِهِ الكأسُ هي العَهدُ الجديدُ بدَمي الّذي يُسفَكُ عنكُمْ”(لوقا ٢٠:٢٢). أتى هذا تذكيراً لنا أنّ بدمه كانت بداية عهد جديد لا بولادته!

تداعيات الخط الفاصل

لماذا يعتبر الخط الفاصل للصليب مهماً جداً؟ لأن الصليب ساعدنا على فهم خدمة يسوع بشكل أفضل. رأينا يسوع في الأناجيل يواجه أصحاب الشريعة بطرق وكلمات قاسية.

“وَمَنْ يَقُولُ: يَا أَحْمَقُ! يَسْتَحِقُّ نَارَ جَهَنَّمَ!” (متى ە:٢٢).

“فَإِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ الْيُمْنَى فَخّاً لَكَ، فَاقْلَعْهَا وَارْمِهَا عَنْكَ” (متى ە:٢٩).

“وَإِنْ كَانَتْ يَدُكَ الْيُمْنَى فَخّاً لَكَ، فَاقْطَعْهَا وَارْمِهَا عَنْكَ” (متى ە:٣٠).

“فَكُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ، كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ السَّمَاوِيَّ هُوَ كَامِلٌ”! (متى ە:٤٨).

“فَإِنْ غَفَرْتُمْ لِلنَّاسِ زَلّاتِهِمْ، يَغْفِرْ لَكُمْ أَبُوكُمُ السَّمَاوِيُّ زَلّاتِكُمْ” (متى ١٤:٦).

هذه المعايير مستحيلة التنفيذ ولكنها كلمات يسوع!

كيف يمكننا أن نعيشها في واقعنا الحالي؟

امتلأت تعاليم يسوع عمداً بمعايير مستحيلة من أجل توضيح نقطة هامة أنّه لا يمكن لأيّ إنسان أن يرقى إلى مستوى المعايير الحقيقيّة للناموس، وخاصة لأولئك الذين افترضوا أنهم يقومون بعمل جيّد. وكان يسوع ببساطة يكشف لهم حقيقة الأمر أن روح الناموس كان معياراً لم يكن بوسعهم أن يلتقوه.

تعال نتخيّل معا أننا نزور مخيّم قاعدة جبل إيفرست، وحشداً كبيراً من الناس يلتقطون صوراً ويتفاخرون أنهم وصلوا إلى القمة تقريباً. لحظة! لحظة! وصلوا إلى القمّة؟

إنهم لا يزالون في معسكر القاعدة في منتصف الجبل وكل ما يملكونه معدّات قديمة رديئة لا تخوّلهم الوصول للقمّة، حتى لا خطة لديهم للوصول.

هذه كانت حقيقة الفريسيين في زمن يسوع. كانوا تحت “وَهمْ” أنهم يستطيعون الحفاظ على الناموس. وأتى يسوع بتعاليمه القاسية عن الروح الحقيقيّة للناموس كي يكشف لهم مقدار الجهد المطلوب للوصول إلى القمّة. وأوضح لهم أنهم لا يستطيعون الوصول ولا فعل ذلك أبداً. لأن جبل سيناء (حيث تسلّم موسى الوصايا من الله) كان جبلاً لم يكن ليتسلّقه أحد وكان عليهم مواجهة هذا الواقع!

تمييز الفرق

لم يكن لتعاليم يسوع هدف واحد بل كانت تعاليمه مصمّمة للقيام بأمرين اثنين:

  • أن يظهر للناس عدم جدوى الطريقة القديمة في الناموس.
  • وإعدادهم لطريقة جديدة بالنعمة.

في بعض الأحيان، كان يسوع يُسلّط الضوء على معيار الشريعة الكامل والمستحيل. ولكن في كثير من الأحيان أيضاً، تحدث يسوع عن مملكة جديدة، وعلاقة جديدة مع الله، عندما علّم عن علاقة الكرمة والأغصان (أنت في وأنا فيك)، ومجيء الروح القدس (في يوحنا ە١ و ١٦).لقد كان يتكلم بوضوح عن تجربة حياة جديدة عن اختبار جديد بعد الصليب.

إذاً كيف يمكن أن نميّز  تعاليم يسوع تلك التي تكشف لنا عن روح الشريعة الحقيقيّة والتي تصف علاقة العهد الجديد مع الله؟ تعالوا نسأل عمّا إذا كان بطرس، أو يعقوب، أو يوحنا، أو بولس قد شرحا مفهوماً معيّناً في تعليمهم لكنائس العهد الجديد. هل كتب الرسل عن علاقة الكرمة والأغصان بالمسيح؟ بالطبع، فعلوا. وهناك أمثلة كثيرة في الرسائل إلى الكنائس حيث نقرأ “المسيح فينا” ونحن “في المسيح”. هل تكلّم الرسل عن أن المؤمن هو مسكن الروح القدس؟ نعم، هناك العديد من الدلائل إلى الروح القدس وحضوره فينا في كل الرسائل.

والآن… هل تتكلّم الرسائل عن حاجتنا إلى قطع أجزاء من الجسم في معركتنا ضد الخطيئة؟ أو كيف نحتاج أن نغفر للآخرين أولا ليغفر الله خطايانا؟ أو كيف نحتاج إلى بيع ما نملكه لدخول إلى مملكة السماء؟ الجواب لا في الحالات الثلاث.

لماذا لم يتمّ ذكر هذه التعاليم القاسية في الرسائل؟ لأن يسوع تكلم بها إلى اليهود والمتكبّرين وأصحاب البرّ الذاتي من أجل دفنهم تحت معايير الشريعة الكاملة والمستحيلة التحقيق، ولم يقصد يسوع أن تتبع الكنيسة هذه التعاليم لأن هدفه كان في الواقع إظهار مدى حاجة الإنسان إلى طريقة جديدة ومختلفة.

وختاماً، عندما ندرك أن الصليب هو الخطّ الفاصل بين العهدين القديم والجديد، فإن تعاليم يسوع المستحيلة القائمة على الناموس هي في النهاية منطقية. وفي ظل روح الناموس الحقيقية، تأتي نعمة الله موضع التركيز الكامل لنبدأ حقيقة جديدة حقيقة العهد الجديد لتحررنا جميعنا بطرق غير متوقعّة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.