تدور حولنا معارك كثيرة، تقودنا بسهولة للانجرار في صراع داخلي خاطئ وفقدان للتّركيز. فالمعركة الرئيسيّة ليست التي تجري في السّماوات، لكن التي تحدث في ذهنك. يكتب بولس الرسول في رسالة أفسس، ويُحذّرنا من حيل ومكر وأكاذيب إبليس. الذي ليس لديه إلا الخداع والضّلال! وليس القوة والسّلطان إلا ما نمنحه له بتصديق أكاذبيه وخداعه. فكيف يحاول الشيطان خداعنا؟
“ولكنني أخافُ أنَّهُ كما خَدَعَتِ الحَيَّةُ حَوّاءَ بمَكرِها، هكذا تُفسَدُ أذهانُكُمْ عن البَساطَةِ الّتي في المَسيحِ” (٢كورنثوس ٣:۱۱)
هدفُ الشيطان؛ صرف تركيزنا عن الإيمان البسيط الطفولي والثقة بالمسيح. الطّريقة الأساسيّة التي يفعل بها هذا هي: إشراكنا معه في الحرب الروحيّة. فالحرب الروحية كما يتمّ تقديمها اليوم ما هي إلا حيلة من حيل إبليس. يعتقد العديد من المؤمنين أن لا قوّة لهم! وبالأكثر لديهم قوة قليلة! وأن الشيطان لديه قوة عظيمة!! ولكن اعتقادهم في الأمرين “خاطئ جدّاً”!! فكثير من الناس لا يعرفون حقيقة هزيمة الشيطان. ومع ذلك، فإنّهم يُعيدون في جهلهم وعدم إيمانهم تمكين العدو “منزوع السّلاح”. وللأسف؛ فإن العديد من المسيحيين اليوم، هم أنفسهم أداة يستخدمها الشّيطان لتعزيز الخداع “أنه ما زال عدوّاً قويّاً”.
يجب أن نعلم؛ أن الحرب الأرضيّة تحدث بين خصمين يتقاتلان، وبمجرد احتلال العدو للطرف الآخر، تنتهي الحرب…لكن اليوم، موضوع الحرب الروحيّة موضوع ساخن في الكنيسة. يبذل الناس باستمرار في محاربة الشّيطان كميات هائلة من الطاقة بطرق تتعارض مع الكتاب المقدس. فإنّهم يحاولون هزيمة الشّيطان مع أنّه في الواقع قد تمّت هزيمته فعلاً. نعم، لقد هزمه يسوع، ربطَ القويَّ ونهبَ أمتعتَهُ (متى ٢۹:۱٢)، ولسنا بحاجة لهزيمته مرّة أخرى، لكن! نحن بحاجة إلى الإيمان بأنّ الشّيطان فعلاً قد هُزم بقوّة المسيح (عبرانيين 14:2). فالشّيطانُ عدو مهزوم.
القوة الوحيدة التي يمتلكها اليوم هي القدرة على الخداع. القوة التي نمنحه إيّاها عندما نصدّق أكاذيبه. لذلك يجب أن تكون معركتنا ضدّ خداعه وليس ضدّ الشّيطان نفسه، “لئلَّا يطمعُ فينا الشَّيطانُ، لأنَّنا لا نجهلُ أفكارَه” (٢كورنثوس ۱۱:٢)، وأيّ نهج آخر؛ هو في الواقع يُعطي الشّيطان السّلطة التي لا يملكها، والتي يستخدمها لتخويفنا. وهو السّلاحُ الوحيد الذي يمتلكه.
لقد هزم يسوع الشَّيطان وأعوانه، وقادهم كأسرى، وجرّدهم من كل ما لديهم، “إذْ جَرَّدَ ذَوِي القُوَّةِ وَالسُلطَةِ فِي العَالَمِ الرُّوحِيِّ مِنْ أسلِحَتِهِمْ، وَأظْهَرَ هَزيمَتَهُمْ أمَامَ العَالَمِ، مُنتَصِرًا عَلَيْهِمْ بِالصَّلِيبِ” (كولوسي ۱٥:٢ الترجمة العربية المبسّطة)..
أما بحسب ترجمة الرسالة MSG”جرّد كلَّ الطغاةِ الرُّوحيين في الكونِ منْ سُلطتِهم الزَّائِفة على الصَّليبِ، وسارَ بهم عُراةً في الشَّوارع”.
جرّدهم يسوع من كلّ ما لديهم، وتحديداً مفاتيح الهاوية والموت، وأظهر هزيمتهم أمام العالم. “أنا الحَيُّ، وكُنتُ مَيتاً، وها أنا حَيٌّ إلَى أبدِ الآبِدينَ! آمينَ. ولي مَفاتيحُ الهاويَةِ والموتِ” (رؤيا ۱٨:۱). ليس للشّيطانِ سلطة لسجن أيّ شخص بعد الآن.. فيسوع لم يهزم الشّيطانَ فحسب، بل أظهره أيضاً كعدو عار ومهزوم تماماً.. لذلك، يجب ألا يُخيفنا الشّيطان مرّة أخرى.
ولكن!! للأسف، غاب عن معظم المسيحيين هذا الانتصار الذي صنعه يسوع. فبعضهم يقضي صلاته في التحدّث إلى الشّيطان وتوبيخه أكثر من التحدّث إلى الرب. نعم، لا يزال الشيطان موجوداً، وعلينا أن نحسب له حساباً، ولكن فقط لأن لديه الكثير من الأكاذيبِ المتداولة حول قوّته ضدّنا. وعدَ الله:”أنَّ إبليسَ سيهربُ منكَ عندما تُقاومُهُ” (يعقوب ۷:٤)، فقد أعطاك سلطانه “هَا أَنَا أُعْطِيكُمْ سُلْطَاناً لِتَدُوسُوا الْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبَ وَكُلَّ قُوَّةِ الْعَدُّوِ وَلاَ يَضُرُّكُمْ شَيْءٌ” (لوقا ۱۹:۱٠)،لذلك، لا يتعيّن علينا تجنيد مليون مسيحي للصّوم والصّلاة لربط قوته. تذكّر: أن أفضل طريقة لمنع خداعه هو “الحقيقة”. معرفة الحقيقة، هي التي تحرّر الناس. وتجعلنا نشنّ حرباً روحيّة حقيقيّة في كلّ مرّة نتحدّث فيها ونرسل حقيقةَ الله! فتظهر قوّة لله الإلهيّة في حياتنا “بمعرفةِ الَّذي دعَانا” (٢بطرس ٣:۱).
انظر إلى يسوع الذي غلب “إلهَ هذا الدَّهر” (٢كورنثوس ٤:٤).. فيجب أن تُقاتل من مكان النصرة، لا أن تُقاتل من أجل النّصرة. لقد أعطانا يسوع بالفعل كلّ ما نحتاجه للحياة والتّقوى (٢بطرس ٣:۱). وتعليماته لنا، هي ما قالها للكنيسة في ثياتيرا:“وإنَّما الّذي عِندَكُمْ تمَسَّكوا بهِ إلَى أنْ أجيءَ” (رؤيا ٢٥:٢). فالطّريقة الوحيدة التي يمكن أن نفقد بها ما لدينا هي أن نؤمن بأكاذيب الشيطان أكثر من إيماننا بكلمة الله. سيجعلك الشّيطان تدرك نقصك وهذه خدعته الجديدة، لذلك لا تغمض عينيك عن يسوع وعن عمله. يريدك الشّيطان أن تركّز على العنف والشّر في هذا العالم بدلاً من التّركيز على “ما يفعله الله”.
انتبه!! إذا استطاع الشيطان أن يرفع عينيك عن يسوع، فإنّه يفوز وأنت تخسر “ولكن شُكرًا للهِ الّذي يُعطينا الغَلَبَةَ برَبِّنا يَسوعَ المَسيحِ. إذًا يا إخوَتي الأحِبّاءَ، كونوا راسِخينَ، غَيرَ مُتَزَعزِعينَ، مُكثِرينَ في عَمَلِ الرَّبِّ كُلَّ حينٍ، عالِمينَ أنَّ تعَبَكُمْ ليس باطِلًا في الرَّبِّ (۱كورنثوس ٥۷:١٥–٥٨).