هويّتنا في المسيح

0

تقول الآية في ٢ كورنثوس ۱۷:٥،  “إذا أن كان أحدٌ في المسيح فهو خليقةٌ جديدةٌ. الأشياء العتيقةُ قد مضت .هوذا الكلُّ صار جديدًا”. إنّ عبارة “في المسيح” هي مُصطَلحٌ يُستخَدَم أكثر من ٣٠٠ مرّة في العهد الجديد، وتُشير دائمًا إلى علاقةٍ حيويّة بالاتّحاد مع الله. عندما يحدث هذا، تصبحُ مخلوقاً جديدًا .

يقودنا هذا الأمر إلى قضيّة حرِجة أعتقدُ بأنّها مهمّة وإلزاميّة لفهم هويّتك الجديدة في المسيح: لم تحدث هويّتك الجديدة في المجال الجسدي. وهي لا تتحدّث عن تغيير كليّ في جسدك وفي مظهركَ، إذا كان شخصٌ ما بديناً قبل خلاصه، فسيبقى بديناً بعد ذلك، ما لم يتبع حمية غذائيّة. كما أنّ الهويّة الجديدة لا تتحدَّث عن الجزء العقليّ أو العاطفيّ لديك – وهو ما يعتقد معظم الناس أنهّ يُشكّل شخصيّتهم الحقيقيّة. وإذا لم تكن ذكيّا قبل خلاصك، فلن تصبح ذكيّا بعده، لكن سيبقى لديك الكثير من الذكريات والأفكار ذاتها.

وهناك جزءٌ ثالثٌ وهو، بحسب هذه الآية ومن خلال عمليّة الحذف، ينبغي أن يكون ذلك الجزء فينا الذي يتغيّر- إنساننا الروحي. يثبّت ما جاء في ۱تسالونيكي ٣٢:٥، هذه الحقيقة حيث يُصلّي بولس من أجل المؤمنين في تسالونيكي ،“وإله السلام نفسه يقدّسكم بالتمام ولتحُفظ روحكم ونفسكم وجسدكم كاملة بلا لومٍ عند مجيء ربّنا يسوع المسيح”. تُبيّن هذه الآية أنّ لدينا روحًا ونفسًا وجسدًا. الجسد واضحٌ جدًّا. إنهّ الجزء المَرئيُّ فينا، إنساننا الخارجيّ. ونحن جميعاً ندرك أنّ هناك جزءًا آخر أبعد من الجسد – الجزء العاطفيُّ والعقليّ – يدعوه الكتاب المقدّس، النفْس. نحن نعرف أنّه بالرغم من أنّ شخصًا ما قد لا يمسّنا جسدياًّ، إلاّ أنّه قادرٌ على لمسنا، أي التأثير فينا بكلامه، بطريقةٍ إيجابيّة أو سلبيّة.

لدى معظم الناس معرفة بالجزء الجسديّ والجزء النفسي وفهمٌ لهما، لكن بحسب الكتاب المقدّس، هناك جزءٌ آخرٌ وهو الروح .

الروح هو الجزء فينا الذي يتغيّر ويصبح جديدًا بعد الخلاص. إنّه في الواقع الجزء الذي يُعطي الحياة. تقول الآية في يعقوب ٢٦:٢، “لأنّه كما أنّ الجسد بدون روح ميّت، هكذا الإيمانُ أيضًا بدون أعمالٍ ميّت”. تُبيّن هذه الآية أنّ الروح هو في الواقع الذي يبثُّ الحياة في أجسادنا. إنّه الجزء الذي تأتي منه حياتنا. في تكوين الأصحاح ٢، عندما خلقَ الله آدم وحوّاء، كان جسد آدم كاملاً، ثمّ نفخ فيه الله نسمة الحياة. إنّ كلمة “ينفخ” في العهد القديم العبريّ كانت الكلمة نفسها التي نستخدمها لكلمة نفَسْ، وترجمتها “روح” في مواضع أخُرى. خلقَ الله جسد آدم ونفسه، ثمّ نفخَ فيه نسمة الحياة فأصبح نفسًا حيّة. الروح هو الجزء فينا الذي يعطي الحياة.

قبلَ الخلاص، أي قبلَ أن يقومُ شخصٌ ما بتسليم حياته بشكلٍ كامل ليدخل الربّ إليها، كان الروح فيه ميّتاً. تقول الآية في أفسس ۱:٢، “وأنتم إذ كنتم أمواتاً بالذنوب والخطايا، أحياكُم”. نحن نعلمُ أنّنا كنّا أحياء قبل أن نولد ثانيةً، لكن كلمة “أمواتاً” تُشير إلى الموت الروحيّ. الموت في الكتاب المقدّس لا يعني التوقّف عن الوجود، كما يعتقد بعض الناس اليوم. إنّه يعني حرفيّا “الانفصال”. عندما يموتُ شخصٌ ما جسديّا، فإنّه لا يتوقّف عن الوجود. يعلِمُّ الكتابُ المقدَّس أنّه يذهب فورًا إلى حضرة الله أو إلى جهنّم. النفسُ والروحُ تستمرّان في الحياة، لكن هناك انفصالٌ عن الجسد الذي يموتُ ويتعفّن.

عندما تقول الآية في تكوين ۱۷:٢، “لأنكّ يوم تأكلُ منها موتاً تموت”، لم تكن تعني أنّهما سيموتان جسديّا بل روحيّا، أي أنّهما سينفصلان عن الله. الروح، الجزء الذي ينفخه الله فينا والذي يُعطينا في الواقع الحياة والدافع، تصبح منفصلة عن حياة الله الفائقة الطبيعة… حياته المقدّسة والكاملة… التي يدعوها الكتاب المقدّس “حياة zoe ” أو “الحياة بالمعنى المُطلق أو الوفير”. ثمّ بدأ الإنسان يتراجع أخلاقيّا. كان لا يزال يقوم بوظائفه، لكنّه يقوم بها باستقلاليّة منفصلاً عن الله. هذا هو في الواقع ما يُسبّب جميع المشاكل في حياتنا… كلّ إجهادنا العاطفيّ.

عندما يأتي شخصٌ ما إلى الربّ، يحصل على روح جديدةٍ ويولدُ ثانيةً، وهو المُصطَلحُ الذي استخدمه يسوع في يوحنا ۵:٣. وبالطريقة نفسها، يولدَ الإنسان جسدياًّ بروح ونفسٍ وجسد، وعندما يولدُ ثانيةً، يحصل على روح المسيح. تقول الآية في غلاطية ٦:٤، “ثمَّ بما أنكّم أبناء، أرسلَ الله روح ابنه إلى قلوبكم صارخًا يا أبا الآب”. إنَّ الله يضع حرفيا روحه داخلنا، فنحن لدينا الآن نوعيّة جديدةً من الحياة، هويّة جديدة، وأصبحنا أشخاصًا جُدُد تمامًا في أرواحنا.

إنّ ما تبقّى عليك أن تفعله في الحياة المسيحيّة هو أن تتعلّم في مجال نفسك، أي فكرك وعقلك، ما قد حدثَ في روحك. الحقيقة هي أنّ ثلثَ خلاصك يكون قد اكتملَ عند قبولك يسوع المسيح رباًّ لك. ويحدث تغييرٌ كليٌّ لروحك. وهي تمامًا الروح نفسها التي ستكون لك في الأبديّة. أصبح فيها الآن المحبّة والفرح والسلام، وهي مليئة بحضور الله. ليس هناك نقصٌ أو قصُورٌ في روحك، لكن عليك أن تدرك ذلك، وهذا هو السبب الذي يجعل دراسة كلمة الله أمرًا حيويّا في حياة المؤمن. أنت شخصٌ جديدٌ تمامًا، لكنّك لن تتغيّر إلى أن تحصل على المعرفة. تنال الغلبة في الحياة المسيحيّة عندما تصبح قادرًا على دراسة كلمة الله التي هي روحٌ وحياةٌ، وعلى معرفة نفسك، ورؤية ما فعله الله، والبدء في الإيمان به.

سوف أستخدمُ بعض الآيات من الكتاب المقدّس لأبيّن الأشياء التي تحدث عندما يقبلُ شخصٌ ما يسوع في حياته .تقول الآية في أفسس ٢٤:٤، “وتلبسوا الإنسان الجديد المخلوق بحسب الله في البِرِّ وقداسةِ الحقِّ”. عندما يولد شخصٌ ما ثانيةً، تصبح روحه بارّة ومقدّسة حقاًّ. يتحدّث الكتاب المقدّس في الواقع عن نوعَين من البِرّ.

هناك بِرٌّ تصنعه بسلوكك وتصرّفاتك الشخصيّة، وعليك المحافظة على هذا النوع من البِرّ في علاقاتك مع الآخرين. فإن كنتَ لا تسلكُ باستقامةٍ وتتصرَّف بشكلٍ صحيح، فإنّ مديرك قد يطردك أو قد تطلِقّكَ زوجتك؛ لذلك عليك المحافظة على بِرّك الشخصيّ. لكنّ الله لا يقبلك بناءً على بِرّك الخارجيّ، لأنّ الله قد أعطاك حرفيّا بِرَّه.

تقول الآية في ٢ كورنثوس ۲۱:٥ إنّ الله الآب قد جعل الابن خطيّة لأجلنا لكي نصير نحن برّ الله فيه. إذن ،هناك بِرٌّ هو أبعد من مجال بِرّنا الذاتيّ وهو مَبنيٌّ على ما فعله الله لأجلنا. نحن قبلنا حرفياًّ بِرَّ الله بالإيمان بالمسيح. ولقد خُلقنا في البِرِّ وقداسة الحقّ. إنّنا لا ننمو في ذلك البِرّ لأننّا قد أصبحنا فعلاً أبرارًا. ولإعطاء تعريفٍ بسيطٍ نقول، إنّنا سبق وحصلنا على مكانةٍ صحيحةٍ ومقبولةٍ أمام الله.

الله راضٍ عنّا بناءً على عملِ المسيح وليس على أيّ شيءٍ آخر. وأرواحنا هي الموضع الذي حدث فيه التغيير. لقد سبق وخُلِقنا في البِرّ وقداسة الحقّ ونحن مخلوقات جديدة كليّا. تقول الآية في أفسس ۱٠:٢، “لأننّا نحن عمله مخلوقين في المسيح يسوع لأعمالٍ صالحة”. نحن كاملون ومُكتملون في أرواحنا. ليس هناك خطيّة أو قصُور. تقول الآية في أفسس ۱۳:۱، “… إذ آمنتمُ خُتمتمُ بروح الموعد القدُّوس”.

قد يفكّر البعض منكم ويقول، حسناً، عندما آمنتُ بالربّ لأوّل مرّة، آمنتُ بالفعل أنّ خطايايَ قد غُفِرَت تمامًا وأنّني تطهَّرتُ، وكان كلُّ شيءٍ على ما يرام. لكنّي قد أخطأتُ منذ ذلك الوقت وخَذلتُ الله مرّةً أخُرى. إذا كنتَ قد فعلتَ هذا، فإنّك تكون قد فشلتَ في أعمالك وفي الجزئيَن الفكري والعاطفي، لكنّ روحك لم تُخطئ. إنّ روحك قد خُتِمَت من الله. فعندما وُلدتَ ثانيةً حصلتَ على روح جديدةٍ، والخطيّة لا تخترقُ روحك. لديك هويّة جديدة. ولكي يكون لديك علاقة مع الله، ينبغي أن تكون لك معه شركة وتعبده بناءً على مَن أنت، بروحك وليس بجسدك.

هذا هو في الحقيقة التغيير العظيم في الحياة المسيحيّة، أي إنّ على الإنسان أن يُغيّر هويّته. عليك أن تتواصل مع الله، ليس بناءً على ما تفعله في المجال الجسديّ، وليس على ما يجولُ في فكرك، لكن من خلال ما أنتَ عليه في الروح على أساس ما فعله لأجلك. هذا عملٌ مُنجَز، إنّه شيءٌ لا يتغيّر مرّةً تلو الأخُرى. أنتَ خُلِقتَ في البِرّ والقداسة الحقيقيّة. هذا هو جزء الروح فيك، ولكي يكون لك شركة مع الله، يجب أن تعبده بالروح والحقّ. عليك أن تثبتَ في هذه الهويةّ التي هي مَن أنتَ عليه في المسيح.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.