هناك الكثير من الجدل حول معموديّة الماء. يدّعي البعض أنها ضروريّة للخلاص. لكن في أعمال الرسل ١٠، نرى مجموعة من الأمم الذين قبلوا الروح القدس وعندما اكتشف بطرس هذا دُهش بأن هؤلاء الوثنيين “النجيسين” (في وجهة نظر اليهود) قد سمعوا بالفعل الإنجيل وآمنوا به. لذلك، أعلن بطرس أنه لا يوجد شيء يمنعهم من الإحتفال بمعموديّة الماء.
“أتُرَى يستطيعُ أحَدٌ أنْ يَمنَعَ الماءَ حتَّى لا يَعتَمِدَ هؤُلاءِ الّذينَ قَبِلوا الرّوحَ القُدُسَ كما نَحنُ أيضًا؟”(أعمال ٤۷:١٠).
لاحظ أن خلاص الأمم – وسكنى الروح القدس – جاء أولا، وبعده معموديّة الماء. ولم تكن معموديّة الماء شرطا لقبول الروح، كما يُعلّم البعض.
غالبا ما ترتبط معموديّة الماء بالتوبة والإيمان بيسوع المسيح للخلاص. ولكن قصّة اللص على الصليب الذي دعاه يسوع “اليوم ستكون معي في الفردوس” تؤكد لنا من أن معموديّة الماء ليست عنصرا أساسيّا للخلاص. في أعمال الرسل ١٠ ، جاءت الولادة الروحيّة الجديدة أولا، وجاء الإحتفال بالماء ثانيا. .
لم يرسل الله بولس ليعمّد
كان المؤمنون الكورنثيّون يقسّمون ويصنّفون أنفسهم حسب ما إذا كان بولس أو أبولس أو صفا قد عمّدوهم. لهذا يسأل بولس، “فَهَلْ تَجَزَّأَ الْمَسِيحُ؟ أَمْ أَنَّ بُولُسَ صُلِبَ لأَجْلِكُمْ، أَوْ بِاسْمِ بُولُسَ تَعَمَّدْتُمْ؟” (كورنثوس الأولى ١٣:١)
لقد فقدوا تركيزهم عن يسوع المسيح، وكانوا يفتخرون باسم بولس بدلا من تعظيم اسم يسوع. لذلك أخبرهم بولس ان الله لم يرسله ليعمّد بل ليكرز بالإنجيل (كورنثوس الأولى 17:1). ولو كانت معموديّة الماء ضروريّة للخلاص، لكان الله قد أرسل بولس ليعمّد. لكن الإيمان بالإنجيل هو الذي يخلّص وليس معموديّة الماء.
قال بولس أيضا، “أَشْكُرُ اللهَ لأَنِّي لَمْ أُعَمِّدْ مِنْكُمْ أَحَداً غَيْرَ كِرِيسْبُسَ وَغَايُوسَ” (كورنثوس الأولى ١: ١٤).
لماذا كان بولس يشكر الله أنّه لم يعمّد أشخاص كثيرين؟ لأن معموديّة الماء لا تساهم في خلاصنا، ومن يعمّدنا لا يؤثر على نظرة الله إلينا.
فالخلاصة، هي أنه سواء تم غمرك في بركة من الماس لمدة ١٠ ثوان، فهذا لا يحدّد مصيرك أو قيمتك في نظر الله. لا يتعلّق الأمر حول كونك في الماء ولكن عن كونك في المسيح.
هل تخلّصك المعموديّة ؟
كتب بطرس “وَعَمَلِيَّةُ النَّجَاةِ هَذِهِ مُصَوَّرَةٌ فِي الْمَعْمُودِيَّةِ الَّتِي لَا نَقْصِدُ بِها أَنْ نَغْتَسِلَ مِنْ أَوْسَاخِ أَجْسَامِنَا، بَلْ هِيَ تَعَهُّدُ ضَمِيرٍ صَالِحٍ أَمَامَ اللهِ بِفَضْلِ قِيَامَةِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ”. (بطرس الأولى ٢١:٣)
نعم، صحيح أن بطرس يقول أن عمليّة النجاة هذه مصوّرة في المعمودية، ولكن لاحظ كيف وضّح لنا بسرعة أنها ليست معموديّة الماء، وإزالة الأوساخ من جسدنا- هي التي تنقذنا، بل هناك نوع مختلف من المعموديّة. إن الإنغماس في حياة قيامة يسوع المسيح هو الذي يخلّصنا. هذه معموديّة روحيّة. وهذا ما يعنيه أن تكون “في الروح” .
وَلكِنْ، إِنْ كَانَ أَحَدٌ لَيْسَ لَهُ رُوحُ الْمَسِيحِ، فَهُوَ لَيْسَ لِلْمَسِيحِ. (رومية ۹:٨)
عندما نوضع في المسيح، ندخل روحيّا في موته ودفنه وقيامته.
أَمْ يَخْفَى عَلَيْكُمْ أَنَّنَا جَمِيعاً، نَحْنُ الَّذِينَ تَعَمَّدْنَا اتِّحَاداً بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ، قَدْ تَعَمَّدْنَا اتِّحَاداً بِمَوْتِهِ؟ وَبِسَبَبِ ذلِكَ دُفِنَّا مَعَهُ بِالْمَعْمُودِيَّةِ لِلْمَوْتِ، حَتَّى كَمَا أُقِيمَ الْمَسِيحُ مِنَ الأَمْوَاتِ بِمَجْدِ الآبِ، كَذلِكَ نَسْلُكُ نَحْنُ أَيْضاً فِي حَيَاةٍ جَدِيدَةٍ. (رومية ٣:٦–٤)
فَالْمَوْلُودُ مِنَ الْجَسَدِ هُوَ جَسَدٌ، وَالْمَوْلُودُ مِنَ الرُّوحِ هُوَ رُوحٌ. (يوحنا ٦:٣)
هذا هو التغطيس الروحي في المسيح أي الولادة الثانية من روح الله .
ماذا عن (أعمال الرسل ٣٨:٢) حيث يقول بطرس، “توبوا وليَعتَمِدْ كُلُّ واحِدٍ مِنكُمْ علَى اسمِ يَسوعَ المَسيحِ لغُفرانِ الخطايا، فتقبَلوا عَطيَّةَ الرّوحِ القُدُس”.
استخدم البعض هذه الآية مدّعين أنّ المعموديّة ضروريّة لمغفرة الخطايا. ولكن من المهم أن نلاحظ أن (اللام) في كلمة “لغفران” هي في الكلمة اليونانيّة “eis” وهي لا تعني دوماً ” من أجل الحصول”، في بعض الأحيان يمكن أن تعني “نتيجة” أو “بسبب”. وبالنظر إلى ما قرأناه في مكان آخر من رسالة العهد الجديد المتعلّقة بالخلاص، يبدو ان بطرس كان يناشدهم للتوبة، والإيمان برسالة الإنجيل، والمعموديّة في الماء بسبب الغفران الموجود في المسيح يسوع. ويدعم هذا أيضا حقيقة أن بطرس يقول “وستنال عطيّة الروح القدس” مرة أخرى، نحن نعلم من العهد الجديد أن قبول الروح القدس يحدث كنتيجة للتوبة (تغيير الذهن نحو الهوية الجديدة في المسيح) والإيمان، وليس عن طريق معموديّة الماء.
أُريدُ أنْ أتَعَلَّمَ مِنكُمْ هذا فقط: أبِأعمالِ النّاموسِ أخَذتُمُ الرّوحَ أم بخَبَرِ الإيمانِ؟ (غلاطية ٢:٣)
المعموديّة في موت المسيح وقيامته
لماذا هناك الكثير من الارتباك حول معموديّة الماء؟ ربما لأن كثيرين لا يفهمون المعموديّة الروحيّة. يسأل بولس في رومية:
أم تجهَلونَ أنَّنا كُلَّ مَنِ اعتَمَدَ ليَسوعَ المَسيحِ اعتَمَدنا لموتِهِ، فدُفِنّا معهُ بالمَعموديَّةِ للموتِ، حتَّى كما أُقيمَ المَسيحُ مِنَ الأمواتِ، بمَجدِ الآبِ، هكذا نَسلُكُ نَحنُ أيضًا في جِدَّةِ الحياةِ؟ (رومية ٣:٦–٤)
“أم تجهلون؟” هو سؤال بولس. هذا يعني أن هنالك العديد من المؤمنين الذين هم في المسيح ولكنهم لا يفهمون حقا معنى أن تكون في المسيح.
كوننا في المسيح يعني أننا تلقينا جراحة جذريّة للقلب، مبادلة، وتحوّل لجوهر كياننا . انتُزعت ذاتنا القديمة ، صُلبنا ودُفنا ثم قُمنا في المسيح إلى جدّة الحياة.
وهذا ما يعنيه أن “تولد من جديد”. لكي تولد ثانية، يجب أن تموت أوّلاً. وهذا بالضبط ما حدث لنا جميعا نحن الذين في المسيح.
ولادتين: طبيعيّة وروحيّة
أجابَ يَسوعُ: «الحَقَّ الحَقَّ أقولُ لكَ: إنْ كانَ أحَدٌ لا يولَدُ مِنَ الماءِ والرّوحِ لا يَقدِرُ أنْ يَدخُلَ ملكوتَ اللهِ. المَوْلودُ مِنَ الجَسَدِ جَسَدٌ هو، والمَوْلودُ مِنَ الرّوحِ هو روحٌ (يوحنا ٣:ە–٦).
يفترض البعض أن “المولود من الماء” تعني معموديّة الماء. ومن هنا يزعمون أن معموديّة الماء ضروريّة لدخول ملكوت الله. ولكن القصد الحقيقي من يسوع هنا واضح “مولود من الماء” يعني الولادة الجسديّة. يولد كل انسان في الكيس السلوي في الرحم الذي يحيط بالجنين، الذي حتى اليوم نشير إليه بماء.
كيف يمكننا أن نتأكّد أن هذا ما يعنيه يسوع؟ يوضح، “المولود من الجسد هو جسد” (يوحنا ٦:٣). الولادة الأولى التي تحدّث عنها يسوع هي ولادة جسديّة لا علاقة لها بمعموديّة الماء. ثم نولد ثانية روحيًا عندما نؤمن: “المولود من الروح هو روح” (روحنا ٦:٣).
والدتك أنجبتك أوّلاً وروح الله ولدك ثانيا. كلاهما مطلوب للدخول إلى ملكوت الله. أوّلاً، نحن بحاجة إلى الوجود المادي، ثانيا نحن بحاجة للهروب من الموت الروحي.
لقد ولدنا (في آدم) ونولد من جديد من روح الله.
المكان المناسب للمعموديّة
ليس هناك شيء سحري في عمليّة معموديّة الماء. إنّه احتفال عام ورمز لصلبنا الروحي، دفننا وقيامتنا إلى جدّة الحياة في المسيح.
معموديّة الماء مهمّة، لكنها لا تسبّب شيئاً. فكّر في الأمر. الإحتفال بعيد ميلادك لا يعني أنك ولدت للتوّ. الإحتفال بذكرى زواجك لا يعني أنك ستتزوّج. لقد ولدت بالفعل وتزوجت بالفعل قبل فترة طويلة من الحفلة. أنت فقط تحتفل .
إنها نفسها مع معموديّة الماء. لقد ولدنا من جديد من روح الله، لقد أصبحنا عروس المسيح. وعندما نحتفل بمعموديّة الماء فهذا لا يعني أننا أصبحنا مجرّد عروس أو نولد من جديد في تلك اللحظة. لا، إن معموديّة الماء هي احتفال خارجي للتحوّل الداخلي. عندما نذهب إلى الماء، نحتفل بأنّنا ذهبنا إلى الموت مع المسيح وعندما نرتفع من الماء، نحتفل بأننا قد قمنا في المسيح إلى جدّة الحياة.
معموديّة الماء: احتفال
ينبغي احترام معموديّة الماء وتقديرها على حقيقتها، لكنها لا تخلّص. عندما نُقدّر عمل معموديّة الماء بشكل غير لائق ونعطيها أهمية أكبر ممّا اعطاها الله، يصبح الأمر شبيهاً إلى حدّ كبير بما كان عليه الختان في الكنيسة الأولى. كانوا يطالبون أن يختتنوا ليخلصوا عندما كان بولس يعلم بوضوح فَلَيْسَ الْخِتَانُ بِشَيْءٍ، وَلا عَدَمُ الْخِتَانِ بِشَيْءٍ، وَإِنَّمَا (الْمُهِمُّ أَنْ يَصِيرَ الإِنْسَانُ) خَلِيقَةً جَدِيدَةً (غلاطية ٦: ە١). وبالمثل، فإن معموديّة الماء لا تقارن بكونها خليقة جديدة. إن الغطس في المسيح هو المهمّ والغمر في الماء هو مجرد احتفال بهذا الواقع.